يواجه قطاع النفط الليبي تهديدات أمنية متزايدة منذ بداية العام الجاري، كان آخرها سيطرة مجموعة مسلحة على حقل الشرارة في 10 ديسمبر الحالي، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى هبوط إنتاج النفط بأكثر من الثُلث حسب بعض التقديرات. وفي الواقع، فإن هذه الحادثة تبدو أكثر تعقيدًا من سابقاتها في الأعوام الماضية، حيث تضم المجموعة المسلحة مزيجًا من رجال القبائل القاطنة في الجنوب وعناصر من حراس منشآت النفط، على نحو يفرض ضغوطًا أقوى على إنتاج النفط بشكل عام في ليبيا، ويزيد من أهمية التحرك السريع من أجل تسوية الأزمة الحالية.
تهديدات مستمرة:
سيطرت مجموعة مسلحة مكونة من رجال قبائل وحراس بعض المنشآت النفطية، في 10 ديسمبر الجاري، على كامل حقل الشرارة بالجنوب، وهو الأمر الذي اضطر المؤسسة الليبية للنفط إلى إعلان حالة القوة القاهرة، أى عدم قدرتها على الإنتاج من الحقل أو التصدير لظروف خارجة عن إرادتها.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الحقل نفسه لتهديدات أمنية في الفترة الماضية، حيث تعرض، في نوفمبر الماضي، لهجوم من عناصر مسلحة بغرض سرقة بعض منشآته. وقبل ذلك، وتحديدًا في مارس الماضي، تم إغلاق صمام خط الأنابيب بين الحقل وبين ميناء الزاوية النفطي من قبل مواطن ادعى تلوث أراضيه بسببه.
وكان قد تم استئناف الإنتاج بالحقل في ديسمبر 2017 بعد توقفه نحو عامين نتيجة إغلاق خط أنابيب ميناء الزاوية المخصص للتصدير. وتأتي الحوادث الأمنية السابقة في ظل ظروف أمنية متدهورة تنجم بالأساس عن الصراع السياسي، الذي أسفر عن إغلاق الحقول النفطية وموانئ التصدير بين الحين والآخر من قبل مجموعات مسلحة ومدنيين يسعون للضغط على الدولة للحصول على امتيازات مالية.
تعقيدات إضافية:
كان لافتًا أن المجموعة التي قامت بتنفيذ الحادث الأخير تضم تركيبة مختلفة من عناصر حرس بعض المنشآت النفطية ورجال بعض القبائل القاطنة في الجنوب، كل منها لديها مطالب مختلفة.
وفي رؤية اتجاهات عديدة، فإن هذا المزيج يوفر لهذه الجماعات مساحة أوسع للتأثير والضغط على مؤسسة النفط، ولا يستبعد في هذا السياق احتمال اتجاهها إلى الاستعانة بميليشيات مسلحة، وهى الوسيلة المعتاد العمل بها لاستهداف الحقول النفطية في ليبيا خلال الأعوام الماضية.
لكن ذلك لا ينفي أن مشاركة عناصر من القبائل الليبية في الجنوب أو في أنحاء أخرى في مثل هذه الهجمات على الحقول النفطية، لا تمثل سابقة في حد ذاتها، حيث دائمًا ما تطالب القبائل بإعادة توزيع عائدات النفط بما يصب في صالح تنمية مناطقها التي تعاني من ضعف البنى التحتية وقلة فرص العمل.
وفي هذا الإطار، يقول المتحدث باسم "حراك غضب فزان: "تم إغلاق الحقل بعد إعطاء الحكومات عدة فرص ولكن لم تستجب"، مشيرًا إلى عدم تلبية مطالبهم. ومن دون شك، فإن تحقيق هذه المطالب قد يستغرق وقتًا طويلاً، على نحو قد يزيد من تعقيد الأزمة.
أما بالنسبة لعناصر حرس بعض المنشآت النفطية، فإنهم يمارسون، في الغالب، ضغوطًا من أجل تحسين أحوالهم المعيشية وزيادة رواتبهم. وبجانب الاعتبارات السابقة، فقد عرضوا هذه المرة إنهاء الاحتجاج مقابل الحصول على مدفوعات نقدية سريعة "فدية"، وهو ما يعتبر سابقة هى الأولى من نوعها في سياق تفاعلات الصراع على موارد النفط في ليبيا، وبما أحدث إرباكًا فيما يبدو داخل الأوساط السياسية الليبية.
وعلى ضوء المطالب السابقة، عارضت المؤسسة الوطنية للنفط دفع أى فدية للمجموعة المسلحة باعتبار أن ذلك سيمثل سابقة خطيرة تهدد انتعاش الاقتصاد الليبي، في الوقت الذي وجهت فيه رسائل تحذيرية لحكومة الوفاق الوطني بأنها لن تستأنف عمليات الإنتاج ولن ترفع حالة القوة القاهرة على صادرات النفط الخام في الزاوية إذا ما تم دفع فدية من قبل وزارة المالية للمجموعة المسيطرة على الحقل.
وفيما يبدو، فإن المؤسسة تبدي مخاوف من أن تقديم أية مبالغ مالية للمهاجمين سوف يتسبب في تشجيع جماعات مسلحة أخرى على القيام بعمليات إغلاق أخرى في المستقبل للحصول على الأموال، مما قد يزيد من مخاطر اضطراب قطاع النفط بعد استقراره لأشهر عديدة.
تجاوز المأزق:
في خطوة أولية للتعامل مع الحادث، قامت المؤسسة الوطنية للنفط بإجلاء العاملين وإزالة المعدات من المواقع، في محاولة، فيما يبدو، لتقليل الخسائر البشرية والمادية المحتملة. ورغم ذلك ترى المؤسسة أن إغلاق حقل الشرارة سيفرض نتائج سلبية طويلة الأمد، حيث ستستغرق محاولة إعادة الإنتاج فيه فترة طويلة نتيجة للتخريب والسرقة المتوقعة.
فضلاً عن ذلك، فإن إغلاق الحقل قد يهدد بتخفيض إنتاج ليبيا من النفط بأكثر من الثُلث بعد أن تم تحقيق مستويات قياسية من الإنتاج قدرها 1.1 مليون برميل يوميًا في نوفمبر الماضي، وهو أعلى مستوى منذ عام 2013، حين تصاعدت موجات إغلاق حقول النفط. ومن المتوقع أيضًا أن يؤثر الحادث الأخير على إنتاج حقل الفيل النفطي الواقع بالقرب من الشرارة، حيث يستخدم إمدادات الكهرباء من منشآت تابعة للأخير. وفي العادة يضخ حقل الفيل نحو 70 ألف برميل يوميًا.
وقد ظهرت مبادرات عديدة تدعو إلى التفاوض مع حراس منشآت النفط على مطالب مشروعة، تتمثل في زيادة رواتبهم دون دفع فدية، وهو ما قد يلقى قبولاً لدى الطرفين. كما نادت أطراف مختلفة بالتنسيق بين المؤسسة وحكومة الوفاق الوطني لتوفير فرص العمل في شركات النفط بالجنوب في الأجل المنظور وتمويل المشروعات التنموية على مراحل تدريجية في المستقبل.
وعلى ضوء ذلك، يبدو في النهاية أن احتمال استقرار أو زيادة الإنتاج النفطي الليبي خلال المرحلة القادمة يواجه عقبات عديدة، في ظل استمرار الاضطرابات الأمنية وتصاعد حدة الصراع السياسي.